آداب المتعلم مع معلمه
1- النظر في من يأخذ عنه العلم:
ليختر المتعلم من كملت أهليته من المعلمين، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته وسيادته، وظهرت مروته، وحسن تعليمه، وجاد تفهيمه، ولا يغتر الطالب بمن زاد علمه مع نقص في ورعه أو دينه أو خلقه، فإن ضرره في خلق المتعلم ودينه أصعب من الجهل الذي يطلب زواله، وأشد ضررا، وعن جماعة من السلف: هذا العلم دِين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وليحذر ممن أخذ علمه من بطون الكتب وطالعها لوحده من دون دراستها عند العلماء، خوفا من وقوعه في الغلط والتحريف والفهم الخاطئ. قال بعض السلف: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام. وإذا استقرأت أحوال السابقين والمعاصرين لم تجد النفع غالبا إلا إذا كان للشيخ من التقوى والنصح والشفقة للطلبة نصيب وافر، وكذلك إذا قرأت المصنفات وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى أوفر، والفلاح بالاشتغال به أكثر.
2- الإعتقاد أن المعلم الأب الحقيقي والوالد الروحاني:
أن يعتقد أن شيخه أبوه الحقيقي ووالده الروحاني، وهو أعظم من الوالد الجسماني، فيبالغ بعد الأدب في حقه في رعاية حق أبوته ووفاء حق تربيته، وقد سئل الإسكندر عليه السلام: "ما بالك توقر معلمك أكثر من والدك؟ فقال: لأن المعلم سبب لحياتي الباقية، ووالدي لحياتي الفانية" أخلاق ناصري/271.
وقد روي أن السيد الرضي الموسوي قدس الله روحه وقد كان عظيم النفس عالي الهمة أبي الطبع لا يقبل لأحد منة، قال له بعض مشايخه يوماً: بلغني أن دارك ضيقة لا تليق بحالك، ولي دار واسعة صالحة لك، قد وهبتها لك فانتقل إليها. فأبى الشريف الرضي، فأعاد عليه الكلام، فقال: يا شيخ أنا لم أقبل بر أبي قط، فكيف من غيره؟ فقال له الشيخ: إن حقي عليك أعظم من حق أبيك، لأني أبوك الروحاني، وهو أبوك الجسماني. فقال السيد رحمه الله: قد قبلت الدار.
ومن هنا نَظَم بعض الفضلاء:
آباء أجسادنا هم سبب لأن جعلنا عرائض التلف
من عَلَّم الناس كان خير أب ذاك أبو الروح لا أبو النطف
3- إحترام المعلم والتواضع له:
أن ينظر إلى استاذه بعين الإحترام والإجلال والإكرام، ويتغاضى صفحا عن عيوبه ونواقصه، فإن ذلك يجعله أكثر قدرة على الانتفاع به، وترسيخ ما يسمعه منه في ذهنه.
ولقد كان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء، وقال: اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تذهب ببركة علمه مني. وقال آخر: كنت أصفح الورقة بين يدي شيخي صفحا رفيقا، هيبة له لئلا يسمع وقعها. وقال آخر: والله ما أجترأت أن أشرب الماء وشيخي ينظر إلي، هيبة له. وقال حمدان الأصفهاني: كنت عند شريك بن عبد الله (النخعي الكوفي المتوفى سنة 177ه)، فأتاه بعض أولاد الخليفة المهدي (محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي العباسي، من خلفاء الدولة العباسية، مات سنة 169ه)، فاستند إبن الخليفة إلى الحائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه وأقبل علينا، ثم عاد، فعاد شريك لمثل ذلك، فقال: أتستخف بأولاد الخلفاء؟ قال: لا، ولكن العلم أجل عند الله من أن أضيعه. فجثا على ركبتيه، فقال شريك: هكذا يطلب العلم.
4- عدم الإنكار على المعلم وتبجيله في الخطاب:
أن يتواضع له زيادة على ما أمر به من التواضع للعلماء وغيرهم، ويتواضع للعلم، فإنه لا ينال العلم إلا من تواضع له، ولا يظن أن التواضع ذل بل هو في مثل هذه الأمور رفعة، وتعظيم حرمته مثوبة، وخدمته شرف.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تعلمون منه".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من علم أحدا مسألة ملك رقه. قيل: أيبيعه ويشتريه؟ قال: بل يأمره وينهاه".
5- تعظيم المعلم وشكره:
أن يبجله في خطابه وجوابه، في غيبته وحضوره، ولا يخاطبه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه من بعد، بل يقول: "يا سيدي" و"يا أستاذ" وما أشبه ذلك، ويخاطبه بصيغ الجمع تعظيما نحو "ما تقولون في كذا" و"ما رأيكم في كذا" و"قلتم رضي الله عنكم" أو "تقبل الله منكم" أو "رحمكم الله". ولا يسميه في غيبته باسمه إلا مقرونا بما يشعر بتعظيمه، كقوله: قال الشيخ، أو الأستاذ، أو شيخنا...
6- الإجتهاد في السبق للحضور في مجلس الدرس:
أن يجتهد على أن يسبق بالحضور إلى المجلس قبل حضور الشيخ، ولو انتظره على باب داره ليخرج ويمشي معه إلى المجلس، فهو أولى مع إمكانه. ويحذر عن أن يتأخر في الحضور عن حضور الشيخ، فيدع الشيخ في انتظاره، فإن فاعلَ ذلك من غير ضرورة أكيدة معرضٌ نفسه للمقت والذم.
7- الدخول إلى مجلس الدرس بإذنه:
أن لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام بغير إذنه، سواء كان الشيخ وحده أم معه غيره، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن، انصرف ولا يكرر الإستئذان، وإن شك في علم الشيخ به كرره ثلاثا، ولا يزيد في الإستئذان عليها، أو ثلاث طرقات بالباب أو بالحلقة، وإن أذن وكانوا جماعة تقدم أفضلهم فأسنهم بالدخول والسلام عليه، ثم يسلم عليه الأفضل فالأفضل.
8- الإصغاء إلى الشيخ والنظر إليه عند تكلمه:
أن يصغي إلى الشيخ ناظرا إليه، ويقبل بجميع حواسه عليه، متعقلا لقوله: بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام، ولا يلتفت من غير ضرورة وينظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو أمامه لغير حاجة، ولا سيما عند بحثه معه أو كلامه له، فلا ينبغي أن ينظر إلا إليه، ولا يضطرب لضجة يسمعها، ولا يلتفت إليها سيما عند بحثه.
وعليه أن يراعي الأدب في حركاته والأنسب في تصرفاته، فلا يومي بيده إلى وجه الشيخ أو صدره، ولا يمس بها شيئا من بدنه أو ثيابه، ولا يعبث بيديه أو رجليه، أو غيرهما من أعضائه، ولا يضع يده على لحيته أو فمه أو يعبث بها في أنفه، ولا يفتح فاه، ولا يقرع سنه، ولا يضرب الأرض براحته، أو يخط عليها بأصابعه، ولا يشبك بيديه ولا يعبث بأزراره، ولا يفرقع أصابعه، بل يلزم سكون بدنه، ولا يكثر التنحنح من غير حاجة، ولا يبصق ولا يمتخط، ولا يتنخع ما أمكنه، ولا يلفظ النخامة من فيه بل يأخذها منه بمنديل أو نحو ذلك، ولا يتجشأ، ولا يتمطى، ولا يكثر التثاؤب، وإذا اضطر تثاءب بعد ستر فاه، وإذا عطس حفظ صوته جهده، وستر وجهه بمنديل ونحوه، وكل ذلك مما يقتضيه الذوق السليم.
9- عدم رفع الصوت عنده:
أن لا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة، ولا يكثر كلامه بغير ضرورة، ولا يحكي أموراً مضحكة، أو يتلفظ بما فيه بذاءة، أو يتضمن سوء مخاطبة أو سوء أدب، بل ولا يتكلم بما لم يسأله. وإذا أراد الكلام فليستأذن أولا، ولا يضحك لغير عجب، بل ولا لعجب إذا لم يضحك الشيخ أولاً، فإن غلبه الضحك تبسم تبسما بغير صوت البتة. وليحذر كل الحذر من أن يغتاب أحدا في مجلسه، أو يقع بالنميمة، أو يوقع بينه وبين أحد بنقل ما يسوؤه عنه، كأن يستنقص به أو يتكلم عنه بسوء.
10- عدم الأخذ على هفوات المعلم:
فإذا سبق لسان الشيخ إلى تحريف كلمة أو شرحها بشكل غير صحيح ومستغرب، فلا يضحك ولا يستهزئ، ولا يعيدها كأنه يعلق بها عليه، ولا يغمز غيره ولا يشير إليه، بل ولا يتوقف عند ما صدر منه، ولا يُدخِله قلبه ولا يصغي إليه سمعه، ولا يحكيه لأحد، فإن اللسان سباق، والإنسان غير معصوم، وفاعل شئ مما ذكر مع شيخه معرض نفسه للحرمان والبلاء والخسران، مستحق للزجر والتأديب والهجر والتأنيب، مع ما يستوجبه من مقت الله سبحانه له وملائكته وأنبيائه وخاصته.
منقول