akila taibi
مدير المنتدى
- عدد المساهمات : 1381
نقاط : 3771
تاريخ التسجيل : 12/04/2013
الأحد سبتمبر 29, 2013 12:45 pm
| المواطنة ثقافة وسلوك وتاريخ
لقد تحدث الكثيرون على المواطنة وروح المواطنة وثقافة المواطنة، ورغم ذلك لازلنا نشعر بامتياز بأزمة المواطنة. وهذا يجرنا إلى القول بأن الجوانب المدنية والقانونية والسياسية من حقوق المواطنة وواجباتها ليست كافية للتعبير عن مراعاة وتكريس مبدأ المواطنة وثقافتها، لأنه إلى جانب ذلك هناك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي لا يمكن ممارسة مبدأ المواطنة على أرض الواقع دون تقرير الحد الأدنى من هذه الحقوق والضمانات للمواطن حتى يكون للمواطنة معنى ويتحقق بموجبها انتماؤه وولاؤه لوطنه وتفاعله الإيجابي مع مواطنيه. عندما يتحقق هذا تنتقل المواطنة من كونها مجرد توافق أو ترتيباً بين المواطنين في الحقوق والواجبات قيمة اجتماعية وممارسة سلوكية. كيف ذلك؟ قبل محاولة الاقتراب من الإجابة على هذا السؤال لا مناص من التطرق ولو سريعاً إلى معنى المواطنة وصفاتها ومجالها وشروطها. يقال أن المواطنة هي حقوق وواجبات المواطن، ومن هذه الحقوق: - المساواة والعدالة في الحقوق بينه وبين بقية الأفراد ولابد أن يشعر بهذه المساواة وهذه العدالة في جميع نواحي حياته اليومية سواء في التعليم أو العلاج أو فرص العمل، وعدم شعوره بأن هناك تمييز وطبقية. - - كذلك من هذه الحقوق تأمين فرص عمل كريمة للمواطن يستطيع من خلالها أن ينعم بالعيش ويستطيع من خلالها تلبية متطلبات حياته وحياة أسرته اليومية حتى لا يضطر إلى أن يعيش فقيراً دليلاً بدون عمل أو يبحث عن المحرمات - ومن الوجبات مثلاً: - الحفاظ على الوطن من خلال الدعوة إلى المواطنة الصالحة والتمسك بحقوقه والقيام بواجباته على أحسن وجه - التعاون مع بقية المواطنين من أجل المصلحة العامة - أداء الضرائب....إلخ - إذن يمكن اعتبار أن المواطنة هي القيام بالواجب والحفاظ على حقوق الجميع في ظل وحدة التعدد والتوحد المتمايز. وأظن أن هذا المعنى كفيل أن يزيل أي تفاضل في هذا الشأن بين المواطنين، ما دامت المواطنة في درجتها الأدنى هي مساواة أمام القانون في الوازع والناظم والرادع. لكنها ليست هذا فقط، أي أنها ليست مجرد حقوق وواجبات، وإنما هي كذلك ثقافة مجتمعية وآليات ضبط العلاقات يتوجب اكتسابها والتمرس في أدائها - فالمواطنة تتجاوز وبكثير الإعزاز بالعلم وتشجيع المنتخب الوطني أو التطوع للدفاع عن الوطن حينما يتعرض لأي خطر - إن المواطنة الحقة لا تتحقق إلاّ إذا علم المواطن حقوقه كاملة (مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية)، وبعد علمها عليه ممارستها والسعي لتحقيقها وعدم التنازل عنها - وبهذا المعنى تكون المواطنة في نهاية المطاف هي انتماء للوطن، ودرجة المواطنة مرتبطة بمدى الشعور بهذا الانتماء اعتباراً لكون الانتماء هو الارتباط الوثيق بالوطن. وبتعبير آخر المواطنة هي أن تعطي للوطن بقدر ما تأخذ منه، وهذا هو الحد الأدنى للمواطنة وقوامها - لكن مع الأسف الشديد إن ما نعانيه حالياً هو السعي وراء الآخذ من الوطن دون عطاء، وهذا انحراف قد يتمظهر في الفساد والزبونية والمحسوبية وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وانتهاز الفرص لتحقيق المصالح على حساب حقوق الغير واستغلال النفوذ والشطط في السلطة واستعمال المواقع لغرض تنمية المصلحة الضيقة وخدمتها والاغتناء والكسب عبر هضم حقوق الغير وانتهاكها وغير ذلك من الانحرافات التي أضحت هي القاعدة في حياتنا اليومية - علماً أن من صفات المواطنة الحقة الأمانة والصدق والإخلاص والجدية والإنتاج، وانتهاك هذه الصفات هو ضرب للمواطنة في صميمها. ولا تكتمل المواطنة إلا بالإحساس بأبعاد المسؤولية - أما فيما يخص مجالها، فإن المواطنة ليست حصراً على مجال دون سواه وانما هي تتسع لكل مجالات ومجريات الحياة بأكملها سواء تعلق الأمر بالفرد أو الجماعة - لكن هل هناك من شروط لتحقيق المواطنة بالمنظور المقدم منذ قليل؟ - أوّلاً وقبل كل شيء لابد من ملاحظة وهي أنه لا يمكن ملامسة مقاربة تقوى على تحديد تلك الشروط دون الأخذ بعين الاعتبار هموم ومعاناة المواطن. ففهم هذه المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية عموماً هو الكفيل بحشد الوعي الحقيقي بضرورة ترسيخ صيغة المواطن في شكلها الإنساني الأرقى، وبالتالي ترسيخ روح المواطنة التي لا تقبل أي فرق أو تمييز مهما كان نوعه ومصدره. - وإضافة إلى هذا، من شروط تكريس المواطنة هناك الأخلاق والقيم والمبادئ وتطبيق القانون وكذلك الترابط بين الأخلاق والقانون - إذن لابد من رد الاعتبار للبعد الأخلاقي للممارسة السياسية وممارسة المسؤولية. وهذا يتطلب درجة من الشفافية والمصداقية والأمانة، لازالت في حاجة للمزيد من التكريس في مدينتنا وجهتنا - كما أنه لا مواطنة بدون أخلاق وقيم ومبادىء. فإذا لم تكن الأخلاق والقيم والمبادئ هي الأساس وهي المنطلق فلا جدوى فيما يسمى بتخليق الحياة العامة، لأنه يمكن ابتكار "قوالب" لإفراغ هذا الشعار وهذا المطلب من محتواه ومعناه، وهذا ما نعاينه في أكثر من مجال - كما من شروط المواطنة تطبيق القانون في جميع الظروف لجعل دولة الحق والقانون واقعاً يومياً قائماً وممارسة يعاينها الجميع وسلوكاً عمومياً يلتزمه الجميع. فلا يمكن تصور اقرار دولة الحق والقانون دون سيادة الأخلاق التي بدونه لا معنى لا للوطنية ولا للمواطنة. إذ أن أن الحق والقانون يقومان بالأساس على الصدق والإخلاص. كما أنه لا قانون بدون انتماء. وهنا تبرز العلاقة العضوية بين المواطنة والإقرار بدولة الحق والقانون.لأن احترام القانون لا يجب أن يكون نابعاً من الخوف وإنّما هو تعبير عن قمّة الشعور بالانتماء، وبالتالي يمثل أعلى درجة في تكريس المواطنة. كما أن الحرص الشديد على تطبيق القانون هو ذِرْوة المواطنة. وعندما يصل المرء إلى هذه الدرجة من الوعي والمسؤولية تختفي الحدود بين المواطنة كإنتماء للوطن والوطنية كولاء لهذا الوطن. - لذلك نقول أنه من شروط المواطنة الحرص على الترابط بين الأخلاق والقانون وهذا الترابط هو الذي يشكل القاعدة الصلبة للمواطنة - فما هو واقع المواطنة بالقنيطرة وجهتهت وما هي تجليات ضعفها؟ - لمحاولة الإجابة على هذا التساؤل علينا أن نتعامل مع المواطنة ليس كمعطى عام موضوعي مسلم به، وإنما كما هي ممارسة على أرض الواقع.
|
|
|